مرّ 186 يوماً على تكليف سعد الحريري لتشكيل الحكومة في 22 تشرين الأول الماضي، وفشلت الطبقة السياسية كلها، خلال هذه الفترة من تحرير لبنان من أزمته، في ظل تقاذف للمسؤوليات والاتهامات بين جميع الأفرقاء.
لكن اللافت، أن الأحزاب في لبنان، بدل أن تصب اهتمامها على تشكيل الحكومة لانتشال لبنان من أزماته، فضّلت السير في الطريق الأسهل، وهو توزيع الإعاشات على المواطنين في مناطق نفوذهم، بل العمل على خطة وطنية تساعد اللبناني في مشاكله الاقتصادية، التي هم في الأساس سببها.
وحوّل حدّة الإنهيار الإقتصادي والإجتماعي، فئات كبيرة من اللبنانيين إلى متسوّلين يتقاتلون في المحلاّت التجاريّة والسوبرماكات للحصول على السلع المدعومة، في ظل الإرتفاع الهائل في الأسعار مقابل إنهيار قيمة الرواتب والأجور بشكل مخيف، في حين بدأ القسم الأكبر في التفكير بالخروج من هذه "المطحنة" عبر الهجرة إلى أي مكان آخر.
هذه "المطحنة"، التي قضت على آمال الآلاف من اللبنانيين، تتحمل غالبية القوى السياسية المسؤولية عنها، سواء كانت مشاركة فيها بشكل مباشر أو غير مباشر، وبالتالي كان من المفترض أن تكون مسؤولة للبحث عن الحلول التي تقود إلى الخروج منها، طالما هي لم تقرر الخروج من الحياة السياسية حتى الآن، لا الوقوف موقف المتفرّج وترديد العبارات التي يتحدّث عنها المواطنون في يومياتهم، أو تقديم التبريرات التي لا تغني أو تسمن عن جوع.
أبعد من ذلك، بعد أكثر من عام ونصف العام لم يقدّم أي فريق سياسي مشروعاً واحداً لكيفيّة الخروج من الأزمة، لا بل أنّ الغالبية لا ترى أيّ حلّ إلا بالعودة إلى الصيغ نفسها لتأليف الحكومات، ولو كان الأمر يحمل في طياته بعض الخجل عبر رفع شعار الاختصاصيين غير الحزبيين، غير آبهة بكل ما يحصل على المستوى الشعبي، نظراً إلى أن في جعبتها الورقة "السحريّة" التي تستطيع من خلالها إعادة تكريس نظام الزبائنية.
على مدى سنوات طويلة، كان هذا النظام يرتكز على التعامل مع مؤسسات وأموال الدولة على أساس أنها "البقرة الحلوب"، عبر تحويلها إلى المحاسيب من مؤيّدي تلك القوى بعيداً عن معايير الكفاءة والنزاهة والشفافيّة، وفق منطق فيدراليّة الطوائف التي يتمّ تقاسم الحصص بناء عليها، أما اليوم مع شحّ موارد تلك "البقرة" فإن هذا النظام يبحث عن إعادة بناء ذاته وفق المنطق الفيدرالي نفسه، لكن على أساس ما يعرف بـ"كرتونة الإعاشة".
وانطلاقاً من ذلك، سيكون لكل طائفة أو حزب، في المرحلة المقبلة، "كرتونته" أو برنامجه الخاص في توزيع الحصص الغذائيّة على المحاسيب مقابل الإستمرار في الحصول على الولاء والتأييد، وبالتالي عدم رفع السقف عالياً للحصول على الحقوق الطبيعيّة التي من المفترض أن تقدّمها الدولة، ولاحقاً هذه "الكرتونة" ستنتقل إلى قطاعات أخرى، كالصّحة والأمن بالدرجة الأولى.